الخميس، 9 فبراير 2023

عن العيشة.. واللي عايشينها!



▪︎ربيع السعدني

‏‎فبراير 2022

في يوم من أيام هذا الشهر الشتوي المتقلب المحمل بنوة مطر عاصفة، كعادتي في المساء أحضرت طعام الإفطار ليلا من سوبر ماركت قريب من البيت، فطلبت من البائع طلبات للفطور، تتمثل في جبنة وبيض وبسطرمة وزيتون، وعيش بلدي، فكانت الحسبة 50 جنيها، عندئذ كدت أن أصرخ من الغيظ والغضب، وأحدث نفسي طوال طريق العودة، وأقول "فطار بالبيت بـ50 جنيه.. ليه!".. وما كان مرفوضا بالأمس صار أمر واقعا اليوم!

فبراير 2023

نفس الطلبات السابقة كررتها لوجبة العشاء، من نفس البائع تقريبا، بعد عام واحد فقط، بزيادة فقط كيلو لبن إضافي، وكانت الحسبة "عشاء بـ200 جنيه".. ماذا حدث؟ من زمان ليس ببعيد كانت الأسعار في متناول اليد رغم غلوها، واليوم صارت الأسعار في متناول تاجر المخدرات.. 

كل هذا السعار والغلاء يلتهم سلع أساسية لا غناء عنها في كل بيت مصري، من طعام الأطفال والطلبة وقوت يومهم ومستلزماتهم التي تشد عضدهم.. لم أتحدث عن عبوات ألبان الأطفال الصناعي التي تجاوزت أسعارها المائتي جنيه، أو حفاضات الأطفال التي وصل سعرها اليوم أكثر من 220 جنيه.. ما الذي تبقى إذن على حاله.. لا أرى شيئا! يبدو أننا رايحين في داهية حرفيا!

مجنونة يالحمة!

لا أتحدث هنا عن اللحوم التي أصبح الوصول إليها في حاجة إلى قرض من البنك الدولي، وإلا ما معنى أن يصل كيلو السمك البلطي إلى 80 جنيه، وكيلو الفراخ يقترب من المائة جنيه، وكيلو اللحمة بين 250- 300 جنيه، وكيلو البسطرمة 400 جنيه! وكرتونة البيض تتعدى المائة جنيه! وحين تصرخ من الغلاء سرعان ما تجد من يبرر لهم صنيعهم.. ولسان حالهم: مش لازم تأكلوا بسطرمة وفراخ، ولحمة، وسمك، وبيض! بلسان حال دستور الفنان أحمد زكي في "البيصة والحجر": أنا أحارب الغلاء بالاستغناء، وفي رواية أحدهم: "التاجر الغالي متجبش منه"، كأنهم يغرقون في مياه البطيخ!


يحدث كل هذا في وقت لا يزيد فيه مرتب أو معاش أي مواطن مصري عن 3000 جنيه، أي بما يوازي 100 دولار شهريا، ‏وبعد كل هذا فإنه مطالب مطلع كل شهر أن يدفع منهم إيجار سكن، وفواتير غاز، ومياه وكهرباء وأدوية، فضلا عن  المواصلات والمصاريف المعيشية اليومية..


نقطة نظام

‏‎لا أدري لما تذكرت هذا المشهد العبثي للزعيم عادل إمام في مسرحية "الزعيم"، حين خاطب شعبه في استعلاء: "الشعب لابد أن يكون فقيرا، فالفقراء يدخلون الجنة".. أو كما قال الفيلسوف الروسي فيودور دوستويفسكي: "كلما كان الشعب مضطهداً يائسا كان أكثر استرسالا في أحلام المكافآت التي سيلقاها في الجنة".. يبدو أن سياسات الحكام وخطاباتهم واحدة لا تتغير أو تطور من نفسها في مسرح الحياة.

‏‎ما يحدث في مصر اليوم في حقيقة الأمر خارج أي منطق، ولا يمت بصلة لأي قوانين اقتصادية ولا مثيل له في أي مكان بالعالم، قد تحدث زيادة طفيفة في الأسعار، ولكنها في المعدل الطبيعي، وقد يتحرر سعر الصرف،  ولكن ليس بهذه الصورة المرنة العبثية التي أكلت كل مدخرات المصريين، وقد تنخفض قيمة العملة المحلية لفترة من الزمن حتى تسترد عافيتها من جديد، ولكن ما يجري في بلادنا اسمه "جنون".. الناس بتموت حرفيا، وكله يشتكي إلى الله في صمت القبور، ولسان حال السادة المسؤولين: "من أشد منا قوة"، بينما يرفع المواطنين أيديهم إلى السماء بهذا الدعاء الأخير.. "افتح يارب.. بنموت"!